المادة    
  1. صاحب المنتخب وانتقاده على بعض النحويين من إعراب لا إله إلا الله

    يقول المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-: [وقد اعترض صاحب المنتخب عَلَى النحويين في تقدير الخبر].
    أولاً: صاحب المنتخب لم أستطع أن أعرف من هو فكتاب المنتخب بعضها في الأدب وبعضها في اللغة، ولعله الحسن بن صالح المتوفى 568هـ الملقب بملك النحاة، نقول ذلك ولا نجزم به حتى نطلع عَلَى الكتاب ونجد هذا اللفظ فيه، ويبدوا أن هذا الكتاب مفقود، أو مخطوط قال صاحبه فيه: "إن النحويين أخطأوا في إعراب (لا إله إلا الله)" "النحويون يقولون لا إله موجودٌ إلا الله " يقدرون خبر (لا) بأنه موجود، بينما الصحيح أن لا يكون هناك تقدير، ولا نقدر الموجود؛ لأننا إذا قلنا لا إله موجود، فالمنفي هو وجود الإله، يقول: ولكن المفروض أن ينفى ماهية الإله (ذاته) وليس وجوده، فنقول: (لا إله) أي: لا ماهية إله بدلاً من أن نقول: وجود إله، وكلمة "موجود" نلغيها ونجعل النفي منصباً عَلَى كلمة إله، (وإلا الله) تكون بدلاً، هذا الكلام في حقيقته فيه نوع من الصواب، من حيث عدم التقدير، وإن كَانَ المُصنِّف مال إِلَى غيره وقَالَ: إنه كلام المعتزلة، وهذه القضية تحتاج إِلَى شيء من الدقة والتبسيط،
    فقوله (لا) هذه تسمى لا النافية للجنس، وتدخل عَلَى المبتدأ والخبر، وهي تفيد النفي المطلق، ولذلك قيل لنفي الجنس أي: لا يمكن أن تقول: لا رجلٌ في الدار بل رجلان؛ لأن قولك لا رجل في الدار يعني: أنك تنفي نفياً مطلقاً أن يكون في الدار رجل، إذا كانت لمجرد النفي نقول: لا رجلٌ في الدار بل رجلان، فنفينا وجود "رجل" وأثبتنا رجلين، وهذه (لا) قد لا تحتاج إِلَى خبرٍ أصلاً فتستغني عن الخبر بالكلية، ومن ذلك قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:، ((َفَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ))[البقرة:197] فلا تحتاج إِلَى خبر وقد يضمر الخبر أو يحذف، عَلَى خلاف في لغات العرب بين لغة الحجازيين ولغة الطائيين أو الشماليين هل يحذف وجوباً؟ أو يحذف جوازاً؟، الشاهد: أنه قد تستغني "لا" عن الخبر نهائياً أو يحذف خبرها مطلقاً، وإن ذكر خبرها فهي تدخل عَلَى المبتدأ وعلى الخبر، فلو حذفنا (لا) وحذفنا (إلا) من كلمة (لا إله إلا الله) وتركنا المعنى يبقى (الإله الله) المبتدأ والخبر، كلمة "الإله" ندخل عليها "أل" لأنه لا يجوز الابتداء بالنكرة فنقول: (إله الله)، ومن أجل زيادة التأكيد ينفى الجنس فنقول: (لا إله) فحذفنا (إلا) لأن لا النافية للجنس لا تدخل إلا عَلَى النكرات فنحذف (الأل) فنقول: (لا إله إلا الله) إذاً فالكلام ليس فيه تقدير.
    فكون صاحب المنتخب هذا معتزلياً، أو غير معتزلي، لا يجعلنا نخطأه إذا كَانَ قوله صواباً، نعم أخطأ المعتزلة عندما فرقوا بين الوجود وبين الماهية، لكن كلام الرجل بعضه صحيح، وقوله: " إن النحويين قالوا: تقديره لا إله في الوجود إلا الله وهذا يكون نفياً لوجود الإله ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصرف من نفي الوجود " معناه: نَحْنُ لا نقدر موجود فننفي نفس ماهية الإله وقَالَ: " فكان إجراء الكلام عَلَى ظاهره والإعراض عن هذا الإضمار أولى " وكلامه هذا الأخير صحيح، لأن إجراء الكلام عَلَى ظاهره والإعراض عن هذا الإضمار أولى، لكن كلامه الأول في كون العلة هي أن نفي الوجود ليس أقوى من نفي الماهية خطأ، أما إذا نظرنا إِلَى المسألة نظرة لغوية بحتة فإننا نجد أن كلام هذا الرجل صحيح في أنه لا إضمار في الكلام، فالشهادة تتكون من مبتدأ وخبر فأدخلنا عليها "لا" النافية وأدخلنا الحصر الذي يفيد التأكيد وهو أكثر من مجرد الإثبات كما قلنا، فصار الكلام (لا إله إلا الله)، مثل قولنا: لا حولا ولا قوة إلا بالله، فليس في الكلام تقدير في هذا الباب عَلَى هذا الوجه اللغوي البحت.
  2. المرسي يرد على صاحب المنتخب

    أراد أبو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الفضل المرسي أن ينتصر لمذهب أهل السنة، ضد المعتزلة ولا نعلم حقيقة ما إذا كَانَ هذا الرجل سنياً بمعنى: أنه من أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ أم أنه أيضاً متأثر بإحدى المذاهب المنتسبة إِلَى السنة، لكن هذا الرجل يقول عن كلام صاحب المنتخب: [هذا كلام من لا يعرف لسان العرب] فخطأه؛ لأن (إله) في موضع مبتدأ عَلَى قول سيبويه وعند غيره اسم (لا) وكلاهما لا فرق بينهما، أي سواء قلنا هي مبتدأ أو اسم "لا" "وعلى كلا التقديرين فلا بد من خبر المبتدأ، وإلا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد"، يقول المرسي :" الاستغناء عن الإضمار خطأ "، نبدأ بالكلام الصواب من كلام المرسي الذي يبين لنا الخطأ من كلام صاحب المنتخب، وأما قوله: إذا لم يضمر يكون نفياً للماهية، فليس بشيء؛ لأن نفي الماهية هو نفي للوجود، فلا تتصور الماهية إلا مع الوجود، فلا فرق بين لا ماهية ولا وجود، هذا مذهب أهل السنة خلافاً للمعتزلة، فإنهم يثبتون ماهية عارية عن الوجود.
    الماهية هي ذات الشيء أو حقيقته، وهي مشتقة بما يُسئل عنها (بما)، وقد سبق هذا معنا، عندما خاطب فرعون موسى فقَالَ: وما رَبُّ الْعَالَمِينَ، قال المتكلمون: إن فرعون سأل موسى عن الماهية، أي: أن فرعون من المتكلمين الباحثين في الصفات، فهو من المناطقة حيث سأل عن الماهية بـ "ما"، قَالَ: ((وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [الشعراء:23]، أي: ما كنهه وما ذاته وما حقيقته؟
    ثُمَّ قال المتكلمون، إن موسى عَلَيْهِ السَّلام حاد عن الجواب حينما قَالَ: ((قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)) [الشعراء:26] فلم يجب له بالأجوبة المنطقية، وسبق أن قلنا: إن هذا الكلام خطأ من المتكلمين؛ لأن فرعون لا يعرف المنطق ولا الفلسفة، ولا يتدخل في هذا الكلام كله، ففرعون يقول: وما رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى سبيل الاستخفاف والعناد، فهو لا يؤمن به؛ بل ينكره، ولهذا قَالَ: ((فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)) [القصص:38] ففرعون لا يريد أن يؤمن بإله.
    وليست القضية عند فرعون قضية ماهية هذا الإله، أو السؤال عنه بـ "ما"، فلم يخطر لفرعون أن المناطقة يقولون: إن السؤال عن الماهية هو بحرف "ما"، ومعنى قول المرسي أنا إذا قلنا (لا إله) موجود فقد نفينا وجود الإله، وإذا قلنا: (لا إله) بدون تقدير نفينا ماهية الإله، إذاً عدم التقدير أفضل.

    فنقول: هذا التفريق بين الوجود وبين الماهية خطأ؛ لأن أي شيء نقول: إنه موجود، فمعنى ذلك أن له ماهية بطبيعة الحال، أما أن عدم التقدير صحيح فهذا الكلام أيضاً صحيح؛ لأن عدم التقدير هو الأولى.
  3. الإعراب الصحيح لـ" لا إله إلا الله"

    وإعراب "لا إله إلا الله": (لا): نافية للجنس، و(إله): اسم (لا) أو المبتدأ، و(إلا) أداة استثناء، و(الله): خبر، فهذا النفي والاستثناء أسلوب من أساليب الحصر المراد به تأكيد أبلغ وآكد في إثبات العلاقة بين الموضوع والمحمول أي: بين المبتدأ والخبر، وأن الإله وحده هو الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا إله غيره تَبَارَكَ وَتَعَالَى، هذا مختصر إعراب (لا إله إلا الله) وليس هناك تقدير فيها؛ لأن المبتدأ والخبر يدخل عليها الحروف (لا) و(إلا) فلا تقدير في الكلام بالكلية، هذا هو الراجح والصحيح في اللغة. قوله: [وليس المراد هنا ذكر الإعراب فالمراد هو رفع الإشكال الوارد عَلَى النحاة في ذلك، وبيان أنه من جهة المعتزلة وهو ثابت وقلنا: إن المنتقد من المعتزلة إذا كَانَ انتقاده صواباً قبلناه وإن كَانَ معتزلياً وفيلسوفاً ومتكلماً، فنحن نتبع الحق حيث كان، ولا يضرنا أن يكون قائله من غير أهل السنة لا سيما وأن الموضوع موضوع لغة وليس موضوع دين وإيمان، قَالَ: " فإن قولهم في نفي الوجود ليس تقييداً لأن العدم ليس بشيء" يقول المُصنِّف عندما قال النحاة (لا إله موجود) لم يقيدوا النفي بالوجود فقط حتى نقول: إنهم لم ينفوا الماهية، وإنما نفوا الوجود فقط، وإنما قال ذلك؛ لأن العدم ليس بشيء، وما دام أن العدم ليس بشيء فنفي الوجود هو العدم، والعدم ليس بشيء، إذاً ليس هناك شيء يقيده، فليست كلمة (في الوجود) قيداً، وإنما نفي أن يكون شيء في الوجود هو عدم، والعدم لا قيد فيه بإطلاق؛ لأنه ليس بشيء [كما قال الله تعالى:((وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً)) [مريم:9] ولا يقال ليس قولهم "غير" كقوله: (إلا الله)]، أي: بدلاً من أن نقول: (لا إله إلا الله) نقول: "لا إله غير الله"، يقول المصنف: " لا نقول إن (غير) مثل (إلا) " وكلامه هنا خطأ، بل الواقع أنها مثلها والمعنى واحد؛ لأن كلمة غير الله في قوة (إلا الله)، فـ(لا إله غير الله) أو (لا إله إلا الله) بمعنى واحد؛ لكن كلمة "غير" نفيها في ذاتها، وهي تنفي الشيء الآخر، وأما (لا إله إلا الله) فنفيها من (لا) وليس من "غير"، فلما اجتمع الحصر (لا) و(إلا) صار المعنى (لا إله إلا الله) فلما أخذنا (إلا) انتقل الحصر في عموم كلمة "غير"، وهي في ذاتها عامة تنفي؛ لأنها من ألفاظ العموم المطلقة الكلية، فأصبح (لا إله غيره)، أو (لا إله إلا الله)، بمعنى واحد، هذا هو ملخص ذلك.